الحمد لله وحده نحمده و نشكره و نستعينه و نستغفره و نعود بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ...
...من يهده الله فلا مظل له و من يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا ...
...و أشهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و سلم ...
... و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
...ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الخبير ...
...ربنا لا فهم لنا إلا ما فهمتنا إنك أنت الجواد الكريم ...
...ربي اشرح لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ...
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
البشر في القرآن الكريم أقسام ثلاث :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية التسعين وهي قوله تعالى:
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
أيها الأخوة الكرام، لا زالت الآيات تتحدث عن المنافقين، وكما تعلمون البشر في القرآن أقسام ثلاث، مؤمنون عرفوا الله، فانضبطوا بمنهجه، وأحسنوا إلى خلقه فسلموا، وسعدوا في الدنيا والآخرة.وكفار غفلوا عن الله، وتفلتوا من منهجه، وأساؤوا إلى خلقه، فشقوا وهلكوا في الدنيا والآخرة.بينما هناك فريق ثالث أظهر الإيمان وأبطن الكفر، ادعى أنه مؤمن، وهو في الحقيقة ليس كذلك.
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾
[سورة البقرة]
المنافق إنسان خطير جداً :
هذا الفريق الثالث المنافق خطير جداً، لأنه بتصوره يحقق مكسبين، هو حينما يكون مع المؤمنين حصل على مكتسباتهم، وحينما تفلت من منهج الله قلد الذين كفروا وغفلوا عن الله عز وجل، لذلك في آيات كثيرة يبين الله عز وجل أن المنافقين:
﴿ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾
[سورة النساء الآية: 145]
فالله عز وجل يقول:
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾
من هم المعذرون؟ الذين قدموا عذراً كاذباً، عذراً مفتعلاً، الذين كذبوا كانوا أقوياء، وأشداء، لكنهم ادعوا المرض، فهذا الادعاء هو اعتذار كاذب، هؤلاء في القرآن سماهم الله المعذرون، فلذلك هناك من يعتذر وهو صادق، وعذره مقبول، وهناك من يعتذر وعذره كاذب فهو مرفوض، لذلك قال الله تعالى:
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾
الله عز وجل يعلم السرّ و أخفى :
النقطة الدقيقة علاقة الإنسان بالله، والله عز وجل:
﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
[سورة طه]
يعلم ما تسره، ويعلم أيضاً ما خفي عنك أنت، لذلك قال سيدنا علي كرم الله وجهه عن الله عز وجل: "علم ما كان، وعلم ما يكون- الحاضر- وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون".لو أن إنساناً دخله محدود، لو أن دخله أصبح رقماً فلكياً، هل يعلم هو ماذا سيفعل؟ هل يبقى مستقيماً؟ هل يتفلت؟ هل ينفق هذا المال على ملذاته أم على أعمال الخير؟ هذا الذي لم يكن الله وحده يعلم ما سيكون، بل يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.لذلك حينما يوقن الإنسان أن الله يعلم، وأن الله بيده كل شيء، الله عز وجل يقول:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
[سورة الطلاق الآية: 12]
كأن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون، الكون فيه آلاف مليارات المجرات، وفي كل مجرة آلاف مليارات الكواكب والنجوم، هذا الكون العملاق الذي لا حدود له في منطق العلم الحديث، هذا الكون بكل ما فيه يسبح الله عز وجل، والله عز وجل خلق الخلق والأمر إليه.
الإنسان انطلاقاً من حرصه على ذاته وسلامته وسعادته يطيع الله عز وجل :
أنت أيها الإنسان حينما تعتقد يقيناً أنك أعقد آلة في الكون، وهذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، وأن لهذه الآلة بالغة التعقيد - أي الإنسان- صانع حكيم، وهذا الصانع الحكيم له تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على ذاتك، من حرصك على سلامتك، من حرصك على مستقبلك، تطيع الله عز وجل، لأن العلاقة بين الأمر الإلهي وبين نتائجه علاقة علمية، ما الفرق بين العلاقة العلمية والعلاقة الوضعية؟ أحياناً يكون للبيت مدخلان، يعطي الأب أمراً أن هذا المدخل ممنوع أن تستخدمه، مسموح لكم بالثاني، فإذا أراد أحد الأولاد أن يعصي أباه فدخل في المدخل الذي منع عليهم، يعاقب، لكن لا يوجد علاقة بين العقاب وبين الدخول من هذا الباب، العلاقة وضعها الأب نقول: العلاقة بين الأمر والعقاب، أو النهي والعقاب، علاقة وضعية وضعها الأب، أما لو أن إنساناً وضع يده على مدفأة مشتعلة فاحترقت نقول: هناك علاقة علمية بين الوضع وبين الاحتراق.فهناك علاقة بين الأمر والنتيجة، هذه العلاقة إما أنها حقيقية علمية، أو أنها وضعية، في الأعم الأغلب كل الأوامر في القرآن الكريم العلاقة بينها وبين نتائجها علاقة علمية، وكل النواهي التي نهى الله عنها العلاقة بينها وبين النتائج علاقة علمية، معنى هذا أن كل أمر فيه بذور نتائجه، وأن كل نهي فيه بذور نتائجه، هذا شيء مريح جداً، ديننا ليس دين طقوس، ما الفرق بين الطقوس والأديان السماوية؟ الفرق كبير جداً، الطقوس حركات، وسكنات، وإيماءات، وتمتمات لا معنى لها، لكنها جُعلت مقدسة ومهمة، أما الدين فالأمر والنهي بينه وبين النتيجة علاقة علمية، ما من أمر أمرك الله به إلا وتقطف ثماره في الدنيا قبل الآخرة، والإنسان إذا فكر ملياً وعرف أن هذه التعليمات في القرآن والسنة هي تعليمات الصانع، وأن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي تعلم يقيناً ما الذي ينفعك وما الذي يضرك، ما الذي يسعدك وما الذي يشقيك، فالإنسان أحياناً ينطلق من حبه لذاته فيعبد الله عز وجل، ينطلق من حرصه على سلامته فيعبد الله عز وجل.
قسام البشر من خلال القرآن الكريم ثلاثة أقسام (المؤمنون، المنافقون، الكفار).