سارع إلى التوبة والإنابة
أيها العبد:
راقب من يراك على كل حال وما زال نظره إليك
في جميع الأفعال وطهر سرك فهو عليم بما يخطر بالبال
المراقبة على ضربين مراقبة الظاهر لأجل من يعلم وحفظ
الجوارح عن رذائل الأفعال واستعمالها حذراً ممن يرى
فأما مراقبة الباطن فمعناها أدب القلب من مساكنة خاطر
لا يرضاه المولى وأجد السير في مراعاة الأولى وأما مراقبة الظواهر
فهي ضبط الجوارح قال سرى: الشوق والأنس يرفرفان
على القلب فكان هناك الإجلال والهيبة حلا ولا رحلاً ومن ظهر
الخشوع على قلبه دخل الوقار على جوارحه
قال حاتم الأصم:
إذا عملت فانظر نظر الله إليك وإذا شكرت فاذكر علم الله فيك
وقال أبو الفوارس الكرماني:
من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات
وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنةِ
وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ فله فراسة:
كانَ رَقيباً مِنكَ يَرعَى خواطِري وآخرٌ يَرعَى نَاظِرِي ولساني
فما نَظرَت عينايَ بعدك منظراً لعمرك إِلَّا قُلتَ:
قَد رمقاني وَلا بَدَرَت مِن فِيَّ بَعدَكَ لَفظَةً لِغيركَ إِلَّا قُلتَ:
قَد رمقاني وَلا خَطَرَت فِي ذِكرِ غيركَ خَطرَةً على القَلبِ إِلَّا عَرجَا
بعنان وَفتيان صِدقٍ قد سمِعتَ كَلامُهُم وعُفِّفَ عَنهُم خاطِري
وجِناني وَما الدَّهرُ أَسلاً عنهُم غيرَ أَنَني أَراكَ على كل الجهاتِ
تراني إِلى متى تميل إلى الزخارف وإلى كم ترغب لسماع الملاهي
المعازف أما آن لك أن تصحب سيداً عارف قد قطع الخوف قلبه
وهو على علمه كاكف يقطع ليله قياماً ونهاره صياماً لا يميل
ولا آنف دائم الحزن والبكاء متفرغٌ له ومنه خائف
ومع ذلك يخشى القطيعة والانتقال إلى صعب المتالف
وأنت في غمرة هواك وعلى حب دنياك واقف كأني بك
وقد هجم عليك الحمام العاسف وافترسك من بين خليلك
وصديقك المؤالف وتخلَّلى عنك حبيبك وقريبك ومن كنت عليه
عاطف لا سيتطيعون رَدَّ ما نزل بك ولا تجد له كاشف وقد نزلت
بفناء من له الرحمة والإحسان واللطائف فلو عاتبك لكان عتبه
على نفسك من أخوف المخاوف وإن ناقشك في الحساب
فأنت تألف أين مقامك من مقام الأبطال يا بطال يا كثير الزلل
والخطايا يا قبيح الفعال كيف قنعت لنفسك بخساسة الدون
يا معنون وغرتك أمانيك بحب الدنيا يا مفتون هلا تعرضت لأوصاف
الصدق فاستحليت بها القالب الحق:
{ التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ }
إلى متى أنت مريض بالزكام ومتى تستنشق ريح قميص يوسف عليه السلام
يا غلام لعله يرفع عن بصيرتك حجاب العمى وتقف متذللاً
على باب إله الأرض والسماء خرج قميص يوسف مع يهوذا
من مصر إلى كنعان فلا أهل القافلة علموا بريحه ولا حامل القميص
علم وإنما قال صاحب الوجد:
{ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ }
كل واحد منكم في فقد قلبه كيعقوب في فقد يوسف فلينصب نفسه
في مقام يعقوب ويتحسر وليبك على ما سلف ولا ييأَس كيف
طريق التحسس قطع مرحل الليل وركوب نجائب العزم إنضاء
بعير الجسم ومصاحبة رفقة الندم والمستغفرين بالأسحار
منقول
بعض ثمرات الطاعة
إخواني: من أراد دوام العافية فليتق الله ما أقبل مقبلٌ عليه إلا وجد
كل خير لديه ولا أعرض معرض عن طاعته إلا وتعثر في ثوب غفلته:
واللَهِ ما جِئتُكُم زَائِراً إِلَّا الأَرضُ تُطوى لي وَلا انثَنَى عَزمي
عَن بابِكُم إِلَّا تَعَثَّرَت بأَذيالي روى أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( قال ربكم عزَّ وجل: لو أنَّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل
وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أُسمعهم صوت الرعد )
قال أبو سليمان الداراني:
من صفا صفا له ومن كدر كُدر عليه ومن أحسن في ليله كفى في نهاره
فيامن من يريد دوام العيش على البقاء دم على الإخلاص
والنقاء وإياك والمعاصي فالعاصي في شقاء المعاصي والمعاصي
تذل الإنسان وتخرس اللسان وتغير الحال المستقيم وتحمل الاعوجاج مكان التقويم
قال يحيى بن أبي كثير:
لما أصاب داود الخطيئة نفرت الوحوش من حوله إلهى رد
على الوحوش كي أستأنس بها فردها الله عليه فأحطن به
واصطففن إليه فرفع صوته بقرآنه الزبور فنادته هيهات هيهات
يا داود قد ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك فكان يقول:
بح صوتي في صفا أصوات الصديقين وأصبحت كالبازي
المنتف ريشه يرى حسران كلما طار طائرٌ:
يَرى طائِراتُ الجَوِ يَخفِقنَ فِى الهَوىَ فيذكر رِيشاً مِن جناحيهِ
وافر وَقد كانَ دَهراً في الرِّيَاضُ مُنَعَّماً عَلى كُلِ من يهوى
مِن الصَّيدِ قادر إِلى أَن أَصابتهُ مِن الدهر نَكبَةً فأَصبحَ مَقصوصَ
الجناحينِ حاسر مَضى السابِقونَ الأَوَّلون لفورهم وقصَّرت في أَمري وإِني لخاسر
منقول.
أعلموا يا أخوان
اعلموا إخواني أن الله عز وجل قد قدر الصلوات وقدمها
على غيرها من العبادات وإنما يحافظ عليها من يعرف قدرها
ويرجو أجرها ويخاف العقاب على تركها وهذه صفة المؤمن
وإنما يتوانى عنها ناقص الإيمان إن تكاسل وكافر إن تهاون
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة )
وروى في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( عليك بكثرة السجود فإِنك لا تسجد لله سجدة
إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة )
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( جعلت قرة عيني في الصلاة )
وقد كان لله عز وجل عباد يحبون خدمته لشدة محبتهم إياه
فيحضرون في الصلاة قلوبهم ويجمعون لأدائها هممهم
وروى عن ابن الزبير أنه كان إذا قام في الصلاة فكأنه عود من الخشوع
وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جزعاً
أو حائطاً أو وجه حجر أو رحل فدقه وهو في الصلاة فذهبت
ببعض ثوبه فما التفت وكان إذا دخل بيته سكت
أهل البيت فإذا قام إلى الصلاة تحدثوا وضحكوا
واعلموا إخواني أن من أحب المخدوم أحب الخدمة له لو عرف
العبد من يناجى لم يقبل على غيره والصلاة صلة بين العبد وبين ربه
الستر الأول: الأذان كالإذن في الدخول
وستر التقريب الإقامة:
فإذا كشف ذلك الغطاء لاح للمتقي قُرة العى فدخل في دائرة دار المناجاة
( أَرحنا بها يا بلال )
فقد
( جعلت قرة عيني في الصلاة )
اكشف يا بلال ستر التقريب عن الحبيب
يا بطَّال: لو سافرت بلداً لم تربح فيه حزنت على فوات ربحك
وضياع وقتك أفلا يبكي من دخل في الصلاة على قرة العين ثم خرج بغير فائدة
يُصلي فيُرسِلُها كالطيور إِذا أَرسلتَ من حصار القفص
يقومُ ويُقعَدُ مُستَعجِلاً كمِثلِ الطَروبِ إِذا مَا رَقَصَ إخواني
لا تقنعوا بالحركان فإن الله لا ينظر إلى صوركم
يا هذا: إنما يصاد الطائر بمحبوبه من الحب ومحبوب القلب
الطاهر ذكر الله عز وجل فحرام على قلبك على قلبك الحائم
حول جيف الهوى القِ له حب الذكر على فخ الصدق
في حديقة الصور لعله يقع في شبكة المعرفة
عُد إلى ربك أيها العبد:
تناه عن قبيح فعلك قبل انبثاث جهلك
وانظر لنفسك في أمرك قبل حلولك في قبرك
كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز:
أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل
ووعظ أعرابي ابنه فقال:
لا الدهر يعظك ولا الأيَّام تنذرك
والساعات تعد عليك والأنفاس تعد منك
أحب أمريك إليك أردهما بالمضرة عليك
ووجد على حجر مكتوب:
ابن آدم لو رأيت ما بقى من أجلك لزهدت في طول أملك
ولرغبت في الزيادة في عملك ولقصَّرت من جهلك وحيلك
وإنما يلقاك ندمك إذا زلت قدمك وأسلمك أههلك وحشمك
وباعدك الولد القريب ورفضك الولد والنسيب فلا أنت إلى دنياك
عائد ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة
وقف قوم على راهب فقالوا: إنَّا سائلوك أفمجيبنا أنت فقال:
لا تكثروا فإنَّ النهار لم يرجع والعمر
لن يعود والطالب حثيث في طلبه ذو اجتهاد.
فقالوا: ما على الخلق غداً عند مليكهم .
قال: على نياتهم .
قالوا: فأني الموئل.
فقال: إلى المقدم.
قالوا: فأوصنا.
قال: تزودا على قدر يا هذا: لا تجزع لرؤية ملك الموت
وائت وأنت تشاهد فيها عملك عمرك قليل وقد ضيعت أكثره
فكيف شعورك في البقية ولعل هذا اليوم الآخر والليلة الأخيرة
ما أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن السرى إنما المرض
نهاية الصحة والفراق قرين الوصلة والأيام ترحل ولا بد
من مسة بدن والحبيب مفارِقٌ أو مُفَارَقٌ والمرء رهن مصائب
الأيَّام تنقضي حتى يوارى جسمه في رمسه فمؤجل يلقى الردى
في غيره ومعجل يلقى الردى في نفسه الدنيا لمن فهم قنطرة
العبور وسوق التزود ومتطهرة التنظيف وزرعت للحصاد
فأما للعاقل فهي مفرقة المجامع ومحزنة الربوع ومجرية الدموع
من نال من دنياه أمنيته أسقطت الأيام منها الإلف اطلب فيها
قدر بلغتك وخذ مقدار حاجتك خصها خصوص المسافر في طلب
علف بعيره اطلب الدنيا قدر الحاجة واطلب الآخرة على حسب
الطاقة هذا ولو أنك بلغت إلى الحمى التوكل لاستراح قلبك
وغذاك الله كما يغذي الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً
منقول