إلى كل فـتاة تؤمن باللَّه
جاء في كتاب (( إلى كل فتاة تؤمن باللَّه )) لفضيلة الشيخ محمد سعيد البوطي ما مختصره :
وإنما أعني بالفتاة التي تؤمن باللَّه ، تلك التي أيقنت بوجوده إلهًا واحدًا لا شريك له في ذاته وصفاته ، وأيقنت أنه النافع الضار ، إليه مرجع الناس كلهم في يوم عظيم لا ريـب فيه ، يكشف فيه الحجاب عن كل غيـب مستور ، وحقيقة خافية ، يوم الحسرة والندامة لمن كان قد اغتر بدنياه وفرط في جنب اللَّه ، ويوم الغبطة والسعادة لمن كان قد فهم الدنيا على حقيقتها ، فاتخذ منها عونًا لسلوك السبـيل إلى مرضاة اللَّه .
فلا جرم أنني لا أعني بها تلك التي سمعت باللَّه ولم تفهم عنه شيئًا ، وورثت كلمة الإيمان شعارًا على اللسان ولم تستيقن مضمونها عقيدة في الجنان ، قد يتكرر اسم اللَّه على لسانها في اليوم أكثر من عشرين مرة ، ولكنها لا تنتبه لسلطانه وبالغ سطوته في الشهر أو العام مرة واحدة . مثل هذا الإيمان ، لا يورث القلب أي خشية ، ولا يقود صاحبه إلى أي اتجاه ، ولا شأن له بتقويم شيء من مظاهر الحياة والسلوك . فأنا إنما أتجه بحديثي في هذه الرسالة إلى كل فتاة آمنت باللَّه إيمانًا إراديًّا حرًّا منبثقًا عن رضاها القلبـي وشعورها النفسي ، ويقيني أن [ أمتنا تفيض ] بكثير ممن يتمتعن بهذا الإيمان .
أتجه إلى كل فتاة تؤمن في قرارة قلبها باللَّه هذا الإيمان لأقول لها
إن أمر وجودنا في هذه الحياة جد وأخطر من الجد ! .. فلا يحجبنك عن تصور عاقبتها أي لون من ألوان مغرياتها ، ولا ينسيك هوانهَا كثرةُ ما ترين من المتعلقين بها . ولا تنسي أن الناس إنما يجتازون إلى اللَّه في هذه الدنيا بساعة امتحان سواء علموا ذلك أم جهلوا ، وربما طالت هذه الساعة أو قصرت ، ولكنها على كل حال ليست أكثر من ساعة امتحان .
وإذا كان الاجتياز بهذه الساعة الامتحانية قدرًا مشتركًا بـين الرجال والنساء على السواء ، فإن المرأة تمتاز عن الرجل بحمل عبء آخر شديد الخطورة في الدنيا وعظيم الأثر في العقبى !
فالمرأة بالإضافة إلى كونها تشترك مع الرجل في اجتياز هذه الساعة الامتحانية ، تعتبر مادة من أهم موادها الامتحانية ذاتها !
ذلك لأن الشهوات على اختلافها، هي المنزلق الامتحاني الذي بسط اللَّه به وجه هذه الدنيا ، وإنما المرأة - بتقرير اللَّه تعالى وصريح بـيانه - أول نوع من هذه الشهوات . أوَليس هو القائل : ] زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [ [ آل عمران : 13 ] ، فقد عدّ اللَّه النساء في أول مراتب الشهوات التي وضعها زينة وابتلاء في طريق الناس .
ولولا أنها تفوق سائرها في الخطورة والأهمية ، ما جعل مرتبتها في الذكر قبلهن جميعًا .
وإذًا ، فالمرأةفي حياة الإنسان أخطر ابتلاء دنيوي على الإطلاق .
وسر ذلك ، أن جميع الآثام التي حظرها اللَّه تعالى على عباده ليس بـينها وبـين الإنسان أي انسجام فطري . فالظلم بأنواعه المختلفة محرم ويعين الإنسان على تجنبه أن الفطرة الإنسانية تشمئز منه . وشرب الخمر محرم ، ويهون من أمر تحريمه أن الفطرة الإنسانية الأصيلة تعفها ، وكذلك السرقة ، والغش ،والغيـبة ، والنميمة ، وبقية المحرمات الأخرى ، كلها لا تتفق مع مقتضيات الفطرة الإنسانية السليمة ، ولا يجنح إلى شيء منها إلا من ابتلي بشذوذ أو انحراف في طبـيعته وفطرته لسبـب من الأسباب التي قد تطرأ في حياة الإنسان . وإنما يستثنى من هذا العموم شيء واحد فقط ، هو الغريزة الجنسية في كل من الرجل والمرأة ، فهي على الرغم من كونها تدفع إلى ارتكاب محظور يعد في ذروة المحاظير الشرعية - ما لم ينضبط بحدود وقيود معينة - تعتبر من أخص مستلزمات الفطرة الإنسانية وأهم متطلباتها ، ولا سبـيل لأي إنسان ما دام إنسانًا طبـيعيًّا لا شذوذ فيه إلى أن ينفك عنها أو يسمو فوقها .
ومن خلال هذه المقارنة تستطيعين أن تدركي بأن الشهوة الجنسية في الإنسان أخطر ابتلاء ديني في حياته .
إذ في الوقت الذي تقف الفطرة الإنسانية فيه عونًا على تطبـيق حكم اللَّه بالنسبة للمعاصي والمنكرات ، فإنها تقف بالنسبة للشهوة الجنسية مثيرة لها أو عاجزة - في أحسن الأحوال - عن أن تكبح لجامها أو تقلل شيئًا من هياجها .
وبناء على ذلك فإن العلاج الإسلامي بالنسبة لسائر المعاصي يكمن في مزيد من الابتعاد عنها والاستعلاء فوقها . أما بالنسبة لأمر الجنس خاصة ، فقد كان العلاج هو الارتواء منه ، وإمتاع الغريزة به ، ولكن ضمن حدود مرسومة معينة لا يتجاوزها .
فهذا معنى قولنا إن المرأة أخطر مادة امتحانية في حياة الرجل على الإطلاق .
وربما تقولين : ولِمَ لا يعتبر الرجل أيضًا أخطر مادة امتحانية في حياة المرأة ، ما دام الشعور الجنسي شائعًا بـينهما ، وبذلك يتساوى عبء كل من الرجل والمرأة وتتكافأ مهامهما ؟!
والجواب : إن الفاطر الحكيم جل جلاله أقام فطرة المرأة على أسس نفسية جعلت منها مطلوبة أكثر من أن تكون طالبة ، فهي مهما استشعرت إلحاحًا غريزيًّا في كيانها تظل ميالة - بدافع من عوامل نفسية أصيلة لديها - إلى أن تتحصن بمركز الانتظار والاستعلاء ، وأن تفرض على الرجل ظروفًا وأسبابًا تجعله يلح في طلبها والسعي وراءها ، وبذلك تكون المرأة فتنة للرجل أكثر من أن يكون الرجل فتنة للمرأة .
وقد قرر رسول اللَّه تلك الحقيقة باختصار في قوله : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) . متفق عليه .
وإذ قد فرغنا من إيضاح هذه الحقيقة ، فلتعلمي أن أمر هذه الفتنة التي ابتلي بها الرجل - تشديدًا وتهوينًا - عائد عليك . فالمرأة تستطيع إذا شاءت أن تجعل من شأن نفسها بلاء صاعقًا للرجل ، لا يكاد يجد سبـيلاً للنجاة منه .
وتستطيع أن تجعل من شأن نفسها عونًا على السير في طريق السلامة والنجاة .
ومن هنا كان أخطر الوظائف الإسلامية التي كلف اللَّه بها المرأة ، أن تغمد سلاح فتنتها أمام الرجال ما استطاعت إلى ذلك سبـيلاً ، حتى لا يقعوا في رهق من أمر هذا البلاء أو الامتحان .
وقد تم الإجماع على أن المرأة لا تحرز رضا اللَّه تعالى عنها بعمل من الأعمال الصالحة ، كما تحرزه بالسعي في سبـيل يعين الرجل على الاستقامة الخلقية وضبط نوازعه الشهوانية ، ولا تتسبـب لغضب اللَّه تعالى عليها بعمل من الأعمال المحرمة كما تتسبـب إلى ذلك بالسعي في سبـيل أن تثير في الرجل نوازعه الشهوانية وتقصيه عن أسباب الاستقامة والعفة الخلقية .
وما كان أكثر أهل النار النساء - بإخبار النبـي - في الحديث الصحيح ، إلا جملة عوامل ، من أهمها : أنهن لا يتقين اللَّه تعالى في هذه الوظيفة الخطيرة التي ناطها اللَّه تعالى بهن ... انتهى .