تسود اليوم إشكالية كبرى في كل الأوساط العربية حول جدوى خروج المرأة للعمل فمن معارض معارضة تامة لعمل المرأة واعتبار أن خروج المرأة للعمل هو خروج عن تعاليم الدين ومن مؤيد تأييدا مطلقا لعملها واعتبار أن العمل مؤثر أصيل في تنمية شخصية المرأة وحصولها على حقوقها الضائعة واحتلالها لمكانتها اللائقة وما بين مؤيد و معارض نرى طائفة تعطى المرأة حقها في الاختيار دون حجر على عقليتها وأهليتها ... فهي وحدها صاحبة الحق في هذا الاختيار وهي وحدها من سيتحمل مسؤولية اختيارها .
ولكن لابد أن تدرك المرأة أن مسؤوليتها الأولى التي ستسأل عنها بين يدي رب العالمين هي دورها كزوجة و كأم فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته
ويعتمد نجاح المرأة في الاختيار السليم على عدة عوامل يعتمد عليها نجاح الاختيار بين العمل أو القرار في البيت
أولا : طبيعة المرأة نفسها و قدرتها النفسية على تحمل الضغوط .
فالمرأة القوية نفسيا والتي تستطيع تحمل ضغوطات العمل بحيث لا ينعكس على حالتها النفسية داخل الأسرة غير المرأة التي ينعكس عملها على بيتها و على علاقتها بزوجها و أبنائها
ثانيا : مدى وعي المرأة بدورها كزوجة و كأم .
المرأة الواعية تماما بدورها الزوجي والتربوي تعي تماما مقومات العلاقة الزوجية الناجحة وتعي تماما مقومات التربية السليمة وأهدافها وسائل تحقيق هذه الأهداف ....هذه المرأة قد تكون مدة بقائها في المنزل قصيرة و لكنها تكون فعالة و مؤثرة و مركزة غير المرأة الغير واعية التي تجلس الساعات الطوال في البيت بدون أن يكون لها دورا ايجابيا مع أبنائها ....
فهي مهملة في رعاية زوجها عاطفيا و نفسيا ومهملة في تربية أبنائها فتتركهم نهبا للتليفزيون والانترنت والعاب الفيديو ...وكل همها التليفزيون والتليفون والنوادي والأصدقاء .
ثالثا : طبيعة العمل نفسه و الهدف منه .
فالعمل الذي يستهلك وقتا و جهدا عصبيا و ذهنيا غير العمل الأقل جهدا ووقتا
و العمل الذي يفرض على المرأة الاختلاط المحرم بالرجال و خدش حياءها غير العمل الذي يحفظ لها كرامتها و حياءها كما يختلف الهدف من العمل من امرأة إلى أخرى .
فمن النساء من ترى في العمل مجالا لإحراز النجاح و إفادة المجتمع ....فهي بعملها تحمل رسالة ..... امرأة لها طموحات تريد أن تحقق ذاتها وتخدم مجتمعها من خلال عملها .
وهناك من ترضى أن تكون مجرد موظفة قابعة خلف مكتب .....أو موظفة ثرثارة ... تجعل العمل وسيلة للتسلية بدل من قضاء أوقات مملة بالبيت .
ومن النساء من ترى العمل وسيلة لتحقيق الاستقلال المادي و الذي تشعر معه بالأمان من تقلبات الزمن .
ومن النساء من تفضل القرار في البيت لأنها كسولة وبليدة فهي تريد من ينفق عليها دون تحمل أي مسؤولية .
ومنهن من تفضل البيت حتى تستطيع أن تقوم بواجباتها الزوجية على أكمل وجه ثم التفرغ لتربية أبنائها تربية صالحة .
ومنهن من تفضل البيت حتى تقوم بواجباتها الزوجية و التربوية و تتفرغ للعمل التطوعي و الخدمي .
فالبقاء في البيت أو العمل ما هي إلا وسائل لتحقيق أهداف ....و ليست أهداف في حد ذاتها ....فلابد أن تحدد الهدف أولا كي تختار الوسيلة المناسبة لها .
رابعا : مع من يجلس الأولاد أثناء تواجدها في العمل :
فالبقاء مع المربيات و الخادمات غير مأمون العواقب أما مع وجود الرفقة الصالحة المأمونة للطفل يمنحه العناية المادية و المعنوية المطلوبة يصبح القرار أسهل .
خامسا : طبيعة الأطفال من حيث العمر الزمني و النضج العقلي :
فأطفال ما قبل سن المدرسة يحتاجون إلى عناية فائقة أكثر من الأطفال الأكبر سنا
و الأطفال الذين يتحملون المسؤولية أثناء غياب الأم غير الأطفال عديمي المسؤولية
و الأبناء ذوى الاحتياجات الخاصة غير الأبناء الطبيعيين .
سادسا : مدى تفهم الزوج لعملها و مدى رغبته و اقتناعه ثم مدى وعيه بدوره الأبوي والأسري .
فهناك بعض الرجال من لا يقبل عمل زوجته بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى .
و هناك من يسمح لزوجته بالعمل بشرط ألا يؤثر على البيت و الأولاد .
و هناك بعض الرجال من يسمح لزوجته بالعمل حتى تساعده في مصاريف البيت لان دخله وحده لا يكفى .
و هناك من يسمح لزوجته بالعمل لأنه مقتنع أن زوجته لابد أن تحقق ذاتها و تثبت نجاحها و تؤدى رسالتها المجتمعية في موقعها ايا كانت .
كذلك مدى مشاركة الزوج في تحمل المسؤولية التربوية والأسرية فالزوج المشارك في تحمل المسؤولية التربوية يختلف عن الزوج الذي يلقى بالمسؤولية كلها على عاتق الأم .
سابعا : مدى توافر المؤسسات التربوية المأمونة في محيط الأسرة :
على سبيل المثال مدى توافر مدارس أو حضانات إسلامية تعي دورها التربوي أو مدارس تحفيظ القرآن أو حتى مؤسسات رياضية و ترفيهية موثوق فيها و التي تساعد الأم و تكون مكملا لدورها .
وأهمس في أذن كل زوجة اختارت عن اقتناع أن تقر في بيت الزوجية ألا تتخذ هذا البقاء ذريعة لإهمال ذاتها بحجة التفرغ للبيت و الزوج والأبناء وان تحرص على تنمية ذاتها إيمانيا و عقليا و نفسيا و سلوكيا و جسديا بل لابد أن تضع لنفسها أهداف يمكن تحقيقها داخل بيتها ووسائل لتنمية شخصيتها و تنمية قدراتها و مهاراتها ....
و لا ينعكس اثر ذلك على المرأة فحسب بل على علاقتها بزوجها وأبنائها ؛ فالرجل في معترك الحياة العملية تزداد اهتماماته و تزداد خبراته ومع إهمال الزوجة نفسها يحدث هذا فارقا عقليا و فكريا و ثقافيا قد يوجد نوعا من التباعد النفسي والفتور والصمت الزوجي .
كذلك يتطور الأبناء فكريا يوما بعد يوم و يتعلمون مهارات و يكتسبون معارف لابد أن تكون الأم على وعى بها حتى تكون دوما أهلا لاحترامهم تقديرهم و حتى تكون دوما في محل ثقتهم فيها .
ومع توافر وسائل التعلم و التعليم و دخولها إلى البيوت عبر القنوات الفضائية الهادفة و عبر مواقع الانترنت المتميزة يمكن للمرأة أن تحقق دوما هذا الهدف التنموي .
كذلك يمكن لها الالتحاق بدورات تدريبية عن أساسيات العلاقة الزوجية أو عن تربية الأبناء أو دورات التنمية الذاتية مما يمكنها من إدراك وإنجاز دورها بفاعلية و نجاح أكثر .
كما أنها يمكن أن تمارس عملا وهي بالمنزل و لا تحتاج إلى كثرة الخروج كأعمال التطريز و الخياطة ....أو الأعمال الأدبية أن كانت تملك الموهبة ... أو الأعمال عن طريق الانترنت كتصميم المواقع و الترجمة ..
كذلك انصح اختلى الفاضلة بألا تهمل دورها الاجتماعي و دورها الإصلاحي في محيط مجتمعها .....فالمشاركة في الجمعيات التطوعية والأعمال الخيرية بما لا يتعارض مع متطلبات البيت و الذي يعتبر احد الوسائل الفعالة لانجاز رسالتها وإثبات ذاتها .
و في النهاية فان نجاح المرأة في تحديد رسالتها و تحديد أهدافها ووضع أولوياتها هي الخطوة الأولى على طريق النجاح سواء كان في العمل أم داخل البيت .