إمام صغير .. بثوب جديد
تميز طفل صغير بأمر عجيب ، كان كلما سمع شيئا من القرآن ، حفظه واستقر في قلبه ، كأن قد لُصِق بالغراء ، كان ذلك الطفل لم يبلغ السادسة من عمره ، كان يستيقظ كل صباح ، ويجلس في الطريق ، ينتظر الركبان القادمين من مكة على ظهور الإبل ، حيث يسألهم الناس عن أخبار الدين الجديد ،
فيقولون أن رجلا ، اسمه محمد – صل الله عليه وسلم – يقول أنه نبي ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ثم يقرأون عليهم بعض ما نزل عليه من القرأن الكريم .
كان ذلك الطفل الصغير ، يحفظ كل ما يسمعه منهم من القرآن ، ويثبت في ذاكرته ، ويستقر في صدره ، حتى أن ذلك الصبي يصف سرعة حفظه لما يسمع من القرآن الكريم : ( كأنما يغري في صدرك بغراء ) كأنه يلصق في صدره بالغراء .
كانت بعض قبائل العرب في تلك المنطقة ، التي يعيش فيها الفتى لم تعتنق الإسلام ، كانوا ينتظرون نتيجة الصراع بينهم وبين كفار مكة وحلفائهم ، يقولون إذا انتصر محمد عليهم ، فإنه نبي أرسله الله ، فلما فتح رسول الله عليه وسلم مكة ، أسرعت وفود العرب إلى النبي – صل الله عليه وسلم – كي يعلن إسلامها وتبايعه ، وذهب وفد من قوم ذلك الطفل ، وكان أبوه على رأسهم .
التقوا برسول الله – صل الله عليه وسلم – وأقاموا معه بعض الوقت ، كي يعرفوا الدين ، ويتعلموا الإسلام ، فلما عادوا إلى ديارهم علّموا قومهم ، ما تعلموه من رسول الله ، وقال لهم : إن رسول الله يأمركم أن تفعلوا كذا وكذا ، ولا تفعلوا كذا وكذا ، وأن تؤدوا الصلاة ، فإذا حان وقتها ، يؤذن أحدكم ، ويصلي بكم أكثركم حفظا للقرآن .
بحثوا بينهم ليعرفوا أيهم أكثر حفظا للقرآن ، كي يصلي إماما ، فوجدوا ذلك الطفل أكثرهم حفظا للقرآن ، كان قد بلغ السادسة من عمره ، إنه عمرو بن سلمة ، فأسندوا إليه هذا الأمر المهم .
بدأ الطفل الصغير عمرو بن سلمة ، يصلي بالناس إماما وهو في السادسة من عمره ، كان يصلي خلفه رجال ونساء من مختلف الأعمار ، فأصبح ذا مكانة كبيرة بينهم ، بسبب ما يحفظه من القرآن .
كان عمرو يلبس ثيابا قصيرة ، ولعلها كانت ممزقة في بعض أجزائها ، حتى أنه كان إذا سجد ، ظهر بعض جسده ، لذا فقد اشتروا له ثوبا جديدا ، كي يلبسه أثناء الصلاة .
حينما كبر وأصبح رجلا ، كان يصف شعوره بقوله : لم أفرح بشيء أشد من فرحي بذلك القميص .
كان ذلك الطفل الصغير إحدى الزهور الجميلة ، التي تفتحت في ظل المجتمع الإسلامي .