قال الله تبارك وتعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى شهدنا على أنفسنا ، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) سورة الأعراف 172/173
إن الآيتين تدلان على وجود الفكرة الأولى ، ومنها نعلم أن اسم الله قد وجد قبل أن توجد النفس البشرية ، ومن هنا جاء العقل والقلب باليقين الفطري على وجود الله سبحانه وتعالى ، وهذه هي المعرفة بالخالق الأعظم .
وإن الجاهل والمتعلم والصبي والرجل والمرأة والكهل ، كل أولئك يتعرفون على معنى كلمة الله فور أن تنطقها ، إن الله سبحانه وتعالى موجود بذاته ، موجود بآياته تدرك العقول معنى لفظ الجلالة مصدقا للآية الكريمة .
إذن : فهذه الآية التي هي معجزة من معجزات القرآن الكريم تبين لنا كيف أن العقول كلها تدرك معنى لفظ الجلالة مع أن أحدا لم ير الله تعالى ، إلا أننا جميعا الجاهل منا والمتعلم والذي قرأ والذي لم يقرأ سطرا واحدا في حياته ، إذا ذكر أمامه لفظ الجلالة كان له معنى وألفة ولم يستغربه أحد ، وهذا دليل
لغوي على وجود الله سبحانه وتعالى ، ودليل على أن العقل البشري يعرف خالقه ، وأن المعنى معروف لديه ، بل إن الذي يحاول ستر وجود الله تعالى نقول له إنك تثبت وجود الله ذلك أنه لو كان الله سبحانه غير موجود كما تزعمون ، ما كان هناك سبب لمحاولة ستر وجوده ، وكأنك في هذه الحالة تثبت بأن الله موجود .
تلك هي المعجزة التي لابد أن تنتبه لها ، وأن نعرف أن الله سبحانه وتعالى موجود في قلب وعقل كل واحد منا ، ولذلك فإن العقل البشري وهو يألف وجود الله ويحس به يبتدئ في البحث في الكون ، فيرى آيات الله سبحانه وتعالى الدالة عليه جل جلاله ، يرى الشمس كل نهار تطلع من الشرق ، وتسير إلى الغرب للغروب ، ويرى الماء يملأ الأرض ويروي الزرع الذي يقتات منه ، وكيف خلقت التربة لتغطية هذا الزرع ليعيش ، ويرى نعم الله سبحانه وتعالى تحيط به في كل مكان .
فالأرض ولو أنها كرة مستديرة إلا أن الله سبحانه وتعالى قد مهدها له ليستطيع السير فيها والتنقل ، والإنسان ولو أنه يقف فوق الأرض ورأسه في الهواء ، إلا أن جاذبية الأرض تمسك به فلا يطير في الهواء ، بل هو يستطيع أن يسعى مطمئنا وقد لا يدري أنه يسير فوق كرة ، كما كان في الماضي ،
قبل أن يعرف الناس كروية الأرض ، والأغنام التي خلقها الله سبحانه وتعالى للإنسان مسخرة له ، وتعطيه اللبن ، وهو أحد مقومات الحياة ، وتعطيه اللحوم ولها منافع كثيرة ، والماء ينزل من السماء ليسقي الزرع والأغنام ولا ينتهي أبدا ، فكلما شرب منه الناس وارتوى منه الزرع ، وشرب منه باقي مخلوقات الله ، جاء مطر جديد لتستمر الحياة .
كل هذا النظام البديع الذي يسير عليه الكون لابد له من موجد ، ومن خالق قائم عليه بنظام غاية في الدقة ، وهنا يعرف الإنسان بالعلم كما عرف بالفطرة أن لهذا الكون إلها هو الذي أوجد كل هذه النعم ، وهو الذي خلق الإنسان .
هذا غاية ما يستطيع أن يصل إليه العقل ، هو أن يعرف وجود إله بآياته في الكون وفي الخلق ويعرف أنه إله واحد لا شريك له ، لماذا ؟
لأن الله قد أخبرنا بأنه هو الذي خلق كل هذا ، وسخره للإنسان ولم يستطع أحد أن يدعي أنه فعل هذا ، فلو أن هناك إلها آخر ، فإما أن يكون قد عرف وفي هذه الحالة كان لابد أن يتكلم ويخبرنا أنه هو الخالق ، وإما أن يكون قد جهل هذا وفي هذه الحالة تسقط عنه صفة الألوهية .
ولذلك فإن قضية وحدانية الله سبحانه وتعالى محسومة تماما ، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قال إنه خلق ، وأوجد ولم تأت قوة أخرى لتقول إنها خلقت أو أوجدت ولا تستطيع أي قوة أخرى أن تدعي ذلك ، فلذلك فالقضية محسومة في أنه إله واحد لا شريك له ، هو الله سبحانه وتعالى .