ملأ الفرح أرجاء المدينة ، وانطلقت أصوات الرجال بالتكبير ، وفاضت وجوه المسلمين سعادة وبشرا ، بسبب استقبال مولود جديد ..
كان لذلك المولود فرحة خاصة ، وسبب ذلك ، أنه حينما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة ، أشاع اليهود أنهم سحروا المسلمين ، وقالوا : لن يولد لهم ولد بعد الآن ، وهذا هو سر فرحهم به ، لأنه أول مولود بعد الهجرة إلى المدينة ، إنه عبدالله بن الزبير بن العوام ، أما أمه فهي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
كان أول طعام له ، ممزوجا بلعاب رسول الله ، فقد حملته أمه إلى النبي ، فمضغ تمرات ووضعها في فمه ، ثم حمله جده أبو بكر الصديق ، وطاف به المدينة حتى ينتشر خبر ميلاده ، فيفرح المسلمون ، ويزداد اليهود غيظا .
كبر عبدالله ، وأصبح غلاما يافعا ، ظهرت عليه علامات الذكاء والنجابة ، وإمارات الشجاعة ، كان متميزا بين أمثاله من الغلمان ، وذات يوم قال بعض الصحابة لرسول الله – صل الله عليه وسلم : يوجد بعض الغلمان في المدينة ، ونتمنى أن تبايعهم ، فتحل عليهم بركتك ، ويكون ذلك لهم ذِكرا بين الناس .
وافق رسول الله ، فجاء الصحابة بالغلمان ، كان من بينهم : عبدالله بن الزبير بن العوام ، فلما أقبلوا على رسول الله ، تراجع الغلمان خوفا ورهبة ، أما عبدالله بن الزبير ، فقد اقتحم ودخل على رسول الله ، فتبسم رسول الله وقال : ( إنه ابن أبيه ) ثم صافحه وبايعه .
مرت الأيام وأصبح عبدالله بن الزبير شابا قويا ، كان شديد الورع والخوف من الله تعالى ، لأنه دائم العبادة ، وكان أيضا فارسا شجاعا ، وذات يوم حارب في موقعة دارت بين البربر والمسلمين ، كان عدد البربر مائة وعشرين ألفا ، أما المسلمون فكانوا عشرين ألفا ، أحاطوا بالمسلمين من كل جانب ، ركب
عبدالله فرسه ، وانطلق على رأس ثلاثين فارسا ، نحو ملك البربر الذي كان منفردا خلف الجيش ، تحيط به الجواري يظللنه بريش النعام ، اخترق الصفوف في شجاعة نادرة ، ظنوا أنه قد جاءهم حاملا رسالة إليهم ، ولكن الملك أدرك أنه وقع فريسة في يد عبدالله بن الزبير ، فحاول أن يهرب ، ولكنه طارده وقتله ، وشن المسلمون هجوما شاملا ، حتى كتب الله لهم النصر .
أمضى عبدالله بن الزبير حياته عابدا زاهدا ، جمع بين ثلاث خصال لا ينازعه فيها أحد ، وهي العبادة ، والشجاعة ، والفصاحة ، ظل مجاهدا حتى فاز بالشهادة ، بعد أن تجاوز السبيعين من عمره .