بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }[ 30 / البقرة / 2 ]
جاء في تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ)
{ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا }تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يجهل، وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله تعالى، أو من جهة اللوح أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر.
وهذا الكلام معناه
أنَّ الله سبحانه وتعالى أخبرنا في النصِّ القرآني أنَّه أخبر الملائكة على سبيل الأجمال فقال :{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، ولم يظهر لنا التفصيل ، ولكنه في علم الغيب هناك أخبرهم بالتفصيل عن أحوال آدم وما يكون من بعض ذريته أو من كثير منهم من سفك للدماء وإفسادٍ في الأرض .
وهو أرجح الأقول عندي .
وأمَّا معنى أنه عرفوا من جهة اللوح فلا دليل يعضدها ، وأمَّا من ناحية القياس على أحد الثقلين ويقصد الجنَّ فلا أرى أنه وجهٌ قوي .
وقد جاء عندي القرطبي لمحات جعلتني أركِنُ إلى هذا التفسير أكثر
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره الجامع لاحكام القرآن (ت 671 هـ) :
" وقال ٱبن زيد وغيره: إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذرّيته قوم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء؛ فقالوا لذلك هذه المقالة، إمّا على طريق التعجب من ٱستخلاف الله من يعصيه أو مِن عِصيان الله من يستخلفه في أرضه ويُنعم عليه بذلك، وإمّا على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعاً: الاستخلاف والعصيان.
وقالقتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلقاً أفسدوا وسفكوا الدماء، فسألوا حين قال تعالى: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } أهو الذي أعلمهم أم غيره.
وهذا قول حَسَن، رواه عبد الرزاق قال: أخبرنا مَعْمَر عن قتادة في قوله: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } قال: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: «أتجعل فيها مَن يفسد فيها».وفي الكلام حذف على مذهبه؛ والمعنى إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا ويفعل كذا، فقالوا: أتجعل فيها الذي أعلمتناه أم غيره؟ والقول الأوّل أيضاً حسن جداً؛لأن فيه ٱستخراج العلم وٱستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء؛ وما بين القولين حسن، فتأمّله. "
انتهى كلام القرطبي رحمه الله تعالى .